Writing… (Arabic Text)

by    /  September 23, 2013  / No comments

Giza Sunset

The sun sets over the Giza Pyramids. Photo: Antti Merivirta via Flickr

الكتابة..
شيء يحدث أثناء الكتابة

From Egypt

عنوان العمود : مِن مصر

الكاتب: حمدي الجزَّار

أديب مصري، درَسَ الفلسفة، من أعماله الروائية: “سحْر أسْود”، و”لذَّاتٌ سِرّية”، و”كتاب السُطورُ الأَرْبَعة”، و”مَلحمة ثَورتنا”، تُرْجِمتْ أعماله إلى الإنجليزية والتركية والفرنسية والتشيكية، حاز جائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصري 2006، واختيِّرَ في مشروع بيروت 39 ، أفضل الكُتَّاب العرب دون الأربعين.

Hamdy el Gazzar

موضوع الكتابة :

في هذه المساحة يُعنىَ الكاتب بشئون الثقافة والأدب المصري والعربي، وقضايا حرية الإبداع والفكر والتعبير في الوطن العربي، ويكتب بلا حدود، وبالأسلوب والنوع الأدبي الذي يراه، ومتحررًا من كل قيد.

سأسمح لنفسي اليوم أن أتكلم عن الكتابة، وكتابة الرواية تحديدًا، وروايتي “لذَّات سرَّية”، ربما لأنني أحتاج إلى أن أشرككم معي في هذا الآن، ولأن ما سأقوله هنا له علاقة ما بكل هذا الذي يحدث في مصر، وحدث، منذ ظهرت حركة “كفاية” عام 2004 ، وحتى اليوم.

” كنت أعرف أننى مقتول “.

بهذه العبارة بدأتُ آخر2005 أول سطر فى روايتي” لذَّات سرِّية “*. الكلمات الأربع دهست رأسي وعقلي كعجلات قطار وتركتني مشتعل الدماغ نحو عامين ونصف،أطاردها وأفصلها،أشخصها وأمشهدها حتى ظننت أنني أتيت علي ظاهرها وباطنها،جسدت معانيها القريبة والبعيدة في آلاف الكلمات القابعة في عشرات الملفات ومئات الصفحات ومجلد واحد. خريف2007 سافرت إلى أمريكا لثلاثة شهور حاملاً كل هذا،كتبت هناك عدة فصول أخرى ، استبعدتها كلها عندما عدت للجيزة نهاية الشتاء.

في ربيع 2008 اعتكفت بحجرتي أمام الكمبيوتر الشهور الستة الأخيرة من عمر كتابة الرواية، معتزلاً العالم في سجن اختياري؛ لمواصلة الشغل على المخطوط الضخم الذي كتبته بدأب وصبر عجوز عنيد ينحت حجر جرانيت، محاولاً إخضاع المادة الغفل لشكل فني، لا يوجد سوى في رأسه . ستة شهور من عزلة الناسك في قلايته، وعمل مجرم محكوم عليه بالأشغال الشاقة، عقابه وعذابه تكسير جبل وإقامة آخر !

مقاولة هدم وبناء،نعم الكتابة هدم وبناء.

الكتابة التي خبرتها في ” لذَّات سرِّية ” هي عزلة كاتب يسكن غرفة في سوق صاخب أربع وعشرين ساعة، وحدة ووحشة روائي يحاول دراسة علاقة بشر الجيزة القدماء بالعالم، بالسلطة والخوف، والقهر والرعب من الغد، ومحاولة إنتاج رواية عن هذا كله.كتابة تحاول إخضاع الصخب والضجيج، الكثرة والتناقض والصراع لمنطقها الفنى الخاص ولأسئلتها الجمالية المتمحورة حول ” الزمن الروائي ” بشكل خاص .

بالقرب من ذاتي والوجود في المكان الواقعي لأحداث الرواية ، مع خرائط الشوارع والأزقة ومنحنيات ذاكرتي المكتظة بناس الجيزة وحياتي معهم وبينهم ، بتأمل عالم التعدد والكثرة هذا، والحركة المستمرة من داخل الذات إلى العالم الخارجي من حولي والعكس ، بكل هذا ، أضاءت رويدًا رويدًا المساحات المظلمة في الواقع الموضوعي الخارجي وفى واقع الرواية الخيالي الفني،بشح وبطء وهبني الواقع من حولي بعض أسراره ولذَّاته ، بعض حيواته المخفية والمستورة تحت قشرة سيلانه الدائم،تحت ازدحامه وصخبه وصفقاته السرّية والعلنية، وبحدة وإصرار وصبر العجوز استطاع أزميل النحات أن يفرض الشكل الفني على المضمون وأن يحل سؤال الزمن، قوام البناء الروائى وأسمنت عمارة الرواية،وخضعت “اللغة” للثوب الذي أردته .

الكتابة كتأمل قوامه المزج بين الخيالي والواقعي، ومظهره ووسيلته الوحيدة اللغة، تستلزم القلب الميت والعقل اليقظ،اليد القوية التي لا ترتعش،وانطلاق اللاوعي فى ذات الوقت،ولا تحيا بغير قسوة الكاتب على كلماته وعمله،وبتر ما يجب بتره بلا رحمة .

التيمة الفنية التي حاولت مقاربتها في” لذَّات سرِّية “هي تيمة الخوف ،الجزع ، الرعب من القتلة وسفاكي الدماء القادرين، والذعر من المجهول الآتي، الخوف من القتل والموت الذي يجسده أحد الشخصيات الرئيسية في الرواية وراويها .

ببساطة وتبسيط ، الحكاية عن ربيع الحاج مذيع نشرة الأخبار بالإذاعة الذي لا يطيق زوجته المتزمتة.يقع في غرام امرأة نادرة الجمال والشخصية،اسمها نشوى. ربيع يكتشف أنها امرأة ضابط غائب ومهمين بحضوره على كل شيء، والرواية أربعة أقسام ، واحد وثلاثون فصلاً ، تتقصى تاريخ الرعب والخوف المصري المتأصل من السلطة،كل السلطات بمظاهرها وصورها ورموزها، تجسد وتفصل وتمشهد التاريخ الشخصي لمعظم أبناء جيلي المنتمين لشرائح مختلفة من الطبقة المتوسطة الآفلة . الجيل الذي ولد في ظلال النكسة والهزيمة وبعدها.الأطفال الذين ارتدوا على صدورهم فانلات مطبوع عليها وجه “بطل الحرب والسلام ” يحيطه غصنا زيتون، وقضوا صباهم ومراهقتهم وشبابهم في ظل السلطة الخالدة المخلدة التي امتطت الحكم عقب مصرع السادات.

أردت أن تكون” لذَّات سرِّية”عمل مركب بمصطلحات الفن التشكيلى ، جدارية متعددة الشخصيات وغزيرة التفاصيل، عالم مرئي بالأساس يخاطب البصر أولاً،والبصيرة بعد ذلك، فيلم سينمائي فيه شخصيات كثيرة، فيه الحدث والسرد والديكور، الواقعى والخيالى والموسيقى التصويرية المصاحبة، فيلم لا يهمل-أيضًا- حاسة الشم ! عمل شبه ملحمي ومحدد المكان، فيه منطقة الجيزة كلها،بميدانها وساحاتها، بشوارعها ومعمارها وأزقتها وناسها ،النيل ونفق الهرم وكوبرى عباس .عالم يحتاج إلى تأمل وتبصر وإمعان نظر لكشف جوهره وإعادة بنائه. هذا ما حاولت أن أفعله طيلة سنوات حياتي في الجيزة، وما حاولت تجسيده في كتابتي.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.