I Was Born Just Yesterday, Pt. 2 (Arabic Text)

by    /  August 12, 2013  / No comments

Hamdy_Born Yesterday

Police firing tear gas as protesters try to cross the barbed wires blocking the road to the presidential palace. Photo: Flickr via Hossam el-Hamalawy.

From Egypt

عنوان العمود : مِن مصر

الكاتب: حمدي الجزَّار

أديب مصري، درَسَ الفلسفة، من أعماله الروائية: “سحْر أسْود”، و”لذَّاتٌ سِرّية”، و”كتاب السُطورُ الأَرْبَعة”، و”مَلحمة ثَورتنا”، تُرْجِمتْ أعماله إلى الإنجليزية والتركية والفرنسية والتشيكية، حاز جائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصري 2006، واختيِّرَ في مشروع بيروت 39 ، أفضل الكُتَّاب العرب دون الأربعين.

Hamdy el Gazzar

موضوع الكتابة :

في هذه المساحة يُعنىَ الكاتب بشئون الثقافة والأدب المصري والعربي، وقضايا حرية الإبداع والفكر والتعبير في الوطن العربي، ويكتب بلا حدود، وبالأسلوب والنوع الأدبي الذي يراه، ومتحررًا من كل قيد.

وجوه كثيرة عليّ مالتْ، شفاه كثيرة مُدَتْ نحو وجهي، قبلات رقيقة على جبيني طُبَعتْ، موضع صلاتي في الجبين ختمته آلاف الشفاه، وبلل وجهي نهر دموع عذبة. لا أعرف هؤلاء الناس، أبدًا عرفوني وعرفتهم. أعرف، الآن، ملمس أصابعهم، ألوان عيونهم، وجلد الشفاه.

باسم الرحمن رفعوني، والخشبة، على الأكتاف، عشرات الأكتاف مُدتْ، تبدلتْ وتغيرتْ، وآلاف الأجساد تزاحمت حولي، عشرات آلاف الأصابع تشبثتْ بالخشبة في عناد، وإصرار.

أنا على الخشبة العارية وجهي للسماء، عيناي مغلقتان لكني أرى ما لا يُرَى، ما ليس له أسماء، ما لا يُنطَق بألفاظ، أرى ما يعجز عنه الكلام، والخشبة تحتي على الأكتاف تشق، بانسياب ولين، بحر البشر.

في حديقة الصينية وسط الميدان أنزلوني عن الأكتاف، وعلى الأرض وضعوا الخشبة بعد إلحاح عشرات شباب أقبلوا، كلهم يرتدون أثوابًا بيضاء، يلبسون الأكفان منذ وفدوا الميدان.

تحلّق حولي الشباب، ملائكة البياض، مالوا عليّ، ومدوا إلىّ الوجوه والعيون، وغسّلوني.

غُسِّلتُ بلا ماء، غُسِلتُ بماء العيون التي نظرتْ إلىّ، وأبصرتْ فيّ الحبيب. غُسِلتُ بأسارير وجوه تهللتْ تتأمل ملامح وجهي، وأعضاء جسدي عضوًا بعد عضو، الظاهر منه والخفي، غُسلتُ بقلوب تحنو عليّ، تودُ لو تغسل عني الدم، وبأناملها تمحو جروحي.

غُسلتُ بلا ماء، غسلت بدموع عيون تساقطت كالندى عليّ، بلا إرادة، من رجال ونساء، وأطفال، أحبتني بلا عشرة، وبلا غرض.

أحدهم كان يناضل الزحمة من حولي، لمّا أصر أفسح له الناس بعد وقت، فتقدم إليّ باسمًا، شاب كأنه البدر.

نظر إليّ مليًا بعينين جميلتيْن، عاتبتني عيناه.

تأملني من شعر الرأس حتى أخمص القدمين، وفرتْ منه دموع سخية، دون صوت. نزل على ركبتيه، وقعد عند رأسي، مسّد شعري ببطء، مال إلى أذني اليمنى، وهمس بصوت لا يسمعه إنسان “خذلتني”.

ثم ببطء راح يخلع عن جسده كفنه الأبيض الكتان، ثلاث لفائف كان يرتدي، واحدة فوق الأخرى. أقعدني برفق على الخشبة، وبدأ يلبسني، وحده، الثوب بعد الثوب، وهو يهمس في روحي، قال برقة، وحرقة:

” يا حبيبي لِمَا سبقتني؟

من أين اليوم آتى بثلاثة أكفان أخرى، ها أنتَ قد وصلتَ الجنة قبلي، وتركتنى.. خذلتني، فلي عليك حق أن تناديني من هناك، ولا تِكلَ من رجاء الله أن يلحقني بك، اسأل الله أن يهبني ما وهبك، أنت السابق وإنا بك إن شاء الله للاحقون”.

كساني، وصار شبه عارٍ، ثم قام عني، وذهب.

أصحاب البياض، لابسو الأكفان، قالوا بحسم وإصرار” معذرة، جاء دورنا، نحن وحدنا نحمله دون جميع الناس”.

تقدموا مبسملين مكبرين، وحملوني على أكتاف فتية، بيضاء ناصعة، وتحركوا للأمام شاقين صفوف الناس، صار الموكب كله أبيض، غارقًا في البهاء وفي الضوء..

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.