The Angel of Mercy (Arabic Text)

by    /  November 19, 2012  / No comments

Volunteers Treat Injured Man

Volunteers Treat Injured Man in Tahrir Square on February 3, 2011. Photo: Hossam el-Hamalawy.

From Egypt

عنوان العمود : مِن مصر

الكاتب: حمدي الجزَّار

أديب مصري، درَسَ الفلسفة، من أعماله الروائية: “سحْر أسْود”، و”لذَّاتٌ سِرّية”، و”كتاب السُطورُ الأَرْبَعة”، و”مَلحمة ثَورتنا”، تُرْجِمتْ أعماله إلى الإنجليزية والتركية والفرنسية والتشيكية، حاز جائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصري 2006، واختيِّرَ في مشروع بيروت 39 ، أفضل الكُتَّاب العرب دون الأربعين.

Hamdy el Gazzar

موضوع الكتابة :

في هذه المساحة يُعنىَ الكاتب بشئون الثقافة والأدب المصري والعربي، وقضايا حرية الإبداع والفكر والتعبير في الوطن العربي، ويكتب بلا حدود، وبالأسلوب والنوع الأدبي الذي يراه، ومتحررًا من كل قيد.

ملاك رحمة

يا أمي الحبيبة..

أنا لم أعد أحتمل أكثر من هذا، يا أمي.

أيامي ولياليّ، طويلة، وثقيلة في الميدان، كففتُ عن إحصائها، يمر اليوم عليّ كأنه سنة كاملة، والليلة أعوام، وكل دقيقة أرى فيها الموت قادمًا علينا في العيادة الميدانية، كل دقيقة أرى الدم، الإصابات العميقة، والخرطوش والرصاص الحيّ، بين يديّ نطق الشهادة ثمانية شباب، وشاباتان.

هل تتخيلين يا أمي.

لماذا أنا، بالذات، يا رب، تضع فوق صدري هؤلاء الناس.

تعرفين أن لي قلبًا جامدًا، وكنتِ تتعجبين من عدم خوفي من الدم، وجرأتي.

زميلاتي في العمليات، في المستشفى، يقلن إنني “ميتة القلب”.

شاهدت الكثير في غرف العمليات بالمستشفيات، ورأيت الكثير من الموتى، لكنني لم أرْ أبدًا مثل الذي رأيت هنا، هنا معركة، حرب، متظاهرون عزل بلا شيء، يواجهون النار، والرصاص الحيّ، والغدر من كل صوب.

أعرف أنك تتألمين لبعدي عنكِ، وأنكِ قلقة عليّ، ولكن ما الذي يمكنني أن أفعله غير الذي أفعله، إلى التحرير كنت قادمة مع مظاهرة أطباء القصر العيني، يوم ثمانية وعشرين، ولما رأيت كل هذا الحقد على الناس أقسمت ألا أترك الميدان، وأن أساعد الناس بما أعرف، بسرعة تأسست هذه العيادة الميدانية، وبها عملت حتى اليوم.

أنت لا تعرفين الأطباء والممرضات هنا، هم أجمل ما رأيت يا أمي، يغدقون عليّ الحب والإعجاب، ويقولون عني “ميتة القلب”، ههههه.

ربما لا يعرفون هنا أنني جاوزت الخامسة والثلاثين، وأنني لم أتزوج بعد.

“ميتة القلب” أحسن من العانس.

ميتة القلب يا أمي تقول لك إنها بعد القتيل العاشر في حجرها لم تعد تحتمل، للأسف، المزيد من الدم. بعد استشهاد الدكتور أحمد في حجري خمدتْ فيّ الروح.

بأصابعي ويدي وقدمي عملت طيلة الوقت، لم أنم في الليلة سوى ثلاث ساعات، ساعدت الكل، والآن أنا الجريحة، المريضة، فليطببني الخلق.

طببيني يا أمي الحبيبة.

أعرف أن كل الناس سيموتون، وسأموت، ولكن من أعطي الحق لأحد أن يقتل بشرًا، من خوَّل لبعض الناس إنهاء حياة البعض، وقتل النفس المحرمة.

أنا مريضة الليلة يا أمي فاعذريني، من دقائق مات على صدري الدكتور أحمد، كان شابًا طيبًا وخجولاً، أجمل شاب، مات دماغه مفتوحة برصاصة، وجهه جميل، وفي ذقنه طابع الحسن، كان وحيدًا مثلي، بلا أهل، ليس في يده دبلة خطبة،

أو زواج، وليس له في الميدان أصدقاء مقربون، أو أصحاب.

يبدو أنه وحده جاء، ووحده رحل يا أمي.

أنا حزينة، ويائسة يا أمي، لكنني سأبقى هنا حتى يشاء الرب.

بنتك مريم

ليلة3فبراير2011

ما زالت إضرابات الأطباء والممرضين والممرضات ومسيراتهم مستمرة، وما زالتْ مطالبهم منذ قيام الثورة هى مطالبهم اليوم.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.