I Don’t Feel Any Revolutionary Frustration! (Arabic Text)
by Hamdy El-Gazzar / December 2, 2013 / No comments
عنوان العمود : مِن مصر
الكاتب: حمدي الجزَّار
أديب مصري، درَسَ الفلسفة، من أعماله الروائية: “سحْر أسْود”، و”لذَّاتٌ سِرّية”، و”كتاب السُطورُ الأَرْبَعة”، و”مَلحمة ثَورتنا”، تُرْجِمتْ أعماله إلى الإنجليزية والتركية والفرنسية والتشيكية، حاز جائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصري 2006، واختيِّرَ في مشروع بيروت 39 ، أفضل الكُتَّاب العرب دون الأربعين.
موضوع الكتابة :
في هذه المساحة يُعنىَ الكاتب بشئون الثقافة والأدب المصري والعربي، وقضايا حرية الإبداع والفكر والتعبير في الوطن العربي، ويكتب بلا حدود، وبالأسلوب والنوع الأدبي الذي يراه، ومتحررًا من كل قيد.
لا أشعر بأي إحباط ثوري!
سألني صديقٌ روائي إذا ما كنتُ أشعر بإحباط ثوري، مثله، ومثل “الجميع”، وسألني أن أكتب شيئًا عن هذا”الإحباط” الثوري الذي يشعر به الجميع، الآن، في مصر، هذه إجابتي..
الحقيقة إنني لا أشعر بأي نوع من المشاعر التي يمكن وصفها بأنها “إحباط”، وعلى وجه التحديد إحباط ثوري، أو إحباط متعلق بمسيرة الثورة المصرية العظيمة التي بدأت في25يناير2011، أنا أصر على وصفها ب”العظيمة” لتذكير نفسي، والجميع بأنها ثورة عظيمة حقًا، وبأننا حققنا الكثير، وبأننا فخورون بما صنعنا، وبأن الثمن الباهظ الذي دفع من دماء الشهداء والضحايا سيغير وجه هذا الوطن فعلًا، عاجلاً أم آجلاً.
ثمة عبارة جميلة للغاية، العبارة تقول: “إن رفة جناح فراشة تؤثر في حركة قاع المحيط”. وما حدث منذ يناير للآن لم يكن رفة جناح فراشة بل حركة هائلة، وصراخ جماعي من ملايين المصريين، صوت صارخ شاب، وشجاع، ومغامر، ونبيل.
أحيانًا يخفت داخلنا هذا الصوت العارم، صوتنا نحن الحقيقي، ونبدأ في تجاهله، أو تناسيه بفعل ما يحدث كل يوم، الذي يحدث كل يوم ونظنه نحن ليس المسار
الأصلي أو الحقيقي
أو الصحيح للثورة ولتحقيق أهدافها، لعل هذا الإحباط “الثوري” يأتي من داخل ذلك الذي يشعر به، يأتي من انفعالاته ومشاعره وأفكاره الخاصة بأكثر مما يأتي بسبب أحداث الواقع، إن “المُحبط الثوري” يعاني بسبب عدم مطابقة الواقع لأفكاره وتصوراته، هو، عن الطريق المحدد، والمسار اليقيني الذي لا يرى غيره طريقًا للثورة.
الحقيقة أيضًا إننا نسينا أننا لم نكن نستخدم هذه الكلمة “ثورة”، ولا كنا نعرف الكثير عنها، بعضنا مرت عليها عيناه في سطور الكتب لكن أحدًا منا لم يرها بعينيه في الواقع، لم يرها “كصيرورة” على أرض الواقع تتشكل أمامنا وبنا، إنها حدث جديد تمامًا يشبه تعلم الحبو والمشي! باختصار لم نكن نعرفها، ولا ندرك ماهيتها، فآخر تحول جوهري حدث في مصر قبل أكثر من ستين عامًا، أعني ثورة 52، وهو تحول وصف “بالثورة” رغم إن الشعب لم يشارك فيه.
كذلك نسينا أن الذين نزلوا للشوارع وناضلوا من أجل التغيير منذ عام 2004، وأن معظم الداعين لتظاهرات 25يناير، مثلنا تمامًا، لم يكونوا على علم تام بماهية ما يدعون إليه، ولا توقعوا نتائج احتجاجهم وتحركهم، ونسينا، أيضًا، أن الشعارات النبيلة التي صعدت في أول الثورة لم تكن سوى حزمة فكرية جديدة أبدعتها حركة الناس وتجمعهم، أنتجتها عقولهم، وأحلامهم وطموحاتهم.
نحن ننسى أن أغلبنا بُوغِتَ بما حدث، وأنه هو أيضًا تغير كما تغير الواقع، تمامًا.
لأننا محبطون ننسى، ولأننا غير راضين ننسي، ولأن الطعام على المائدة لا يكفي شراهتنا نحبط، ولأن أصابعنا جُرِحتْ وتألمنا ننسى، ننسى أننا فتحنا الجسد كله، فتحنا المخ والقلب والأحشاء في وقت واحد، وبسرعة بالغة، وكنا نتوقع أن تُنجز العملية الجراحية بسرعة، وبألم عابر، وبنجاح كبير!
التذكر دواء جيد للإحباط، والأفضل منه أن نرى ما في أيادينا، وأن ننتبه له.
أعتقد أن الثورة ستستمر لسنوات أخرى، وستحقق بعضًا مما اُستشهد من أجله كل شهدائها، وأنها واحدة من أعظم الثورات الشعبية في التاريخ، وأكبر عملية جراحية تقوم بها أمة في عصرنا هذا.
ببساطة، هذه الثورة، الانتفاضة العظمى، أعادت للمصريين إنسانيتهم وكرامتهم المفقودة، لقد صدحت الملايين بالحرية والكرامة والعدالة، ولا أظنها ستعود للموقع الذي جاءت منه قبل 25يناير، وهذه الملايين الطليعية ذاتها هي التي ستقدم المزيد، وهي التي ستمنح المصريين حياة مختلفة، وقيمًا وإبداعًا جديدًا.
أنا لست محبطًا على الإطلاق، أنا سعيد لأنني كنت هناك، ولأنني هنا الآن، ولأنني قادر على قول هذه الكلمات، وكتابتها.