The Facebook Girl and the Poet (Arabic Text)
by Hamdy El-Gazzar / November 5, 2012 / No comments
عنوان العمود : مِن مصر
الكاتب: حمدي الجزَّار
أديب مصري، درَسَ الفلسفة، من أعماله الروائية: “سحْر أسْود”، و”لذَّاتٌ سِرّية”، و”كتاب السُطورُ الأَرْبَعة”، و”مَلحمة ثَورتنا”، تُرْجِمتْ أعماله إلى الإنجليزية والتركية والفرنسية والتشيكية، حاز جائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصري 2006، واختيِّرَ في مشروع بيروت 39 ، أفضل الكُتَّاب العرب دون الأربعين.
موضوع الكتابة :
في هذه المساحة يُعنىَ الكاتب بشئون الثقافة والأدب المصري والعربي، وقضايا حرية الإبداع والفكر والتعبير في الوطن العربي، ويكتب بلا حدود، وبالأسلوب والنوع الأدبي الذي يراه، ومتحررًا من كل قيد.
فتاة الفيس بوك
كل يوم من أيام ثورتنا، منذ عادت الاتصالات والإنترنت، بعد انقطاع أيام، كانت تكتبْ على صفحتها على الفيس بوك، في خانة الاستاتس، جملة واحدة
“النهارده هروح الميدان، ميدان التحرير.. أشوفكم هناك”.
كل يوم تذهبْ، وكل ليلة، آخر الليل، أنتظرُ أن تكتب جملتها الجديدة، المتكررة، لأطمئن عليها، وأعرف هل عادت للبيت، وجلست أمام الكمبيوتر، وكتبت جملتها أم لا.
جميلة هي، تبدو في صورة البروفيل رقيقة، وحالمة، سمراء البشرة، سوداء العينين، وشعرها الأسود ناعم ومسترسل، وابتسامتها بريئة، وجذابة.
عادةً تكتب جملتها، رسالتها، في نحو الواحدة صباحًا.
ليلة الأربعاء، 2 فبراير، كتبتْ:
“النهارده هروح الميدان، ميدان التحرير.. أشوفكم هناك”.
وأضافتْ، على غير العادة جملة جديدة: “أنا في أسعد أيام حياتي”.
بعدها لم تظهر جملتها مرةً أخرى، سكنتْ صفحتها، وتجمدتْ على جملتها الأخيرة.
بعد عشرين شهرًا من مقتلها عادت، وظهرت جملة جديدة على صفحتها.
في خانة الاستاتس سؤال واحد : ” ماذا عني؟ عن المرأة في الدستور الجديد؟؟
والسؤال صار يتكرر كل ليلة، كل يوم بلا انقطاع، أو توقف.
الشـاعر
شاعر الجامعة، المتأنق بصرامة، كان صاحبي.
منذ عشرة أعوام لم نره، ولم يكتب، أو ينشر قصيدة واحدة.
ها هو يخرج من كهف ماضينا البعيد، ويأتينا.
يلم جسده من رقدته فوق الأسفلت القاسي، ينحني ويزحف، ويطلع من خيمة اعتصامه، الواطئة الصغيرة، بميدان التحرير.
بذراعيه يشق لنفسه موضع قدمين بين الحشود، يؤرجح جسده، ويتكئ بيسراه على كتف واحد أمامه، يشب على أطراف أصابعه، ويرفع يمينه، ويفتح كفه، يلوح لنا، يحيينا، ويتحرك، يتقدم نحونا.
في ميدان التحرير، بدا لنا الشاعر نحيلاً، وممصوصًا، شعره المنكوش طويل ورمادي، وترينجه الرياضي رث، حال لونه، اسودت ياقته، وتكرمش قماشه، لم ينم منذ أيام إلا ساعات.
الشاعر فقد من وزنه، وشبابه، الكثير، تجعّد الجلد حول عينيه، وفمه وجبهته، ورقبته، لكنه يتحرك برشاقة صبي ونزقه، ويشق طريقه في الزحام نحونا، مبتسمًا، كما أفعل أنا.
تحاضنا، فألقى كلتا ذراعيه على كتفي وظهري، وهو يهمس بكلمات في أذني، بصوت مبحوح واهن، شديد الخفوت، قال :”أخيرًا، أخيرًا، أنا أحب.”
فهمتُ ما به، وفرحتُ له، هززت رأسي، وربتُ على كتفه.
وهو يتأمل حلقة أصدقائه القدامى، ويتمعن في وجوهنا، واصل تبسّمه الذي أضاء وجهه بنور طاغ، وبكى بكاء مرًا، وحارقًا، وسعيدًا.
ومضت عشرون شهرًا.
بعد عشرين شهرًا من مقتل حبيبته تفجر فيه الشعر من جديد، الشعر الذي جفاه، وقهره سنوات طويلة، وكتب قصيدة، كتب قصيدة عن فتاة الفيس بوك.