Mahmoud: Crippled in Tahrir Square (Arabic Text)
by Hamdy El-Gazzar / October 22, 2012 / No comments
الآن، أَسيرُ في ميدان التحرير على عُكازيْن من الحديد، أمشي بساقٍ من الألومنيوم، وقَدمٍ تعويضية بحذاءٍ ثقيل، بعد أن كان لي، رجليْن وقدميْن سليمتيْن وقويتيْن، رِجلىّ عدّاء مسافات طويلة!
الآن، أتعلم ضبط كوعيّ على مسنديّ العكازين، ودفعهما للأمام بهدوء، أُريح كوعي برفق، وأَنقل العكاز الأيمن للأمام خطوة واحدة، وخلفه قدمي الاصطناعية اليمنى، ثم أتبعها بالعكاز الأيسر، وخلفه أدفع قدمي اليسرى السليمة الباقية؛ لتكتمل الخطوة.
كرضيعٍ يتعلم المشي عُدتُ، غير أن ابتسامة فرح الطفل ليستْ على وجهي الآن، على وجهي أسى عجوز يَكبُرِنى بستين عامًا، لكني أنظر للوجوه الباسمة، المُحِبةِ للناس من حولي، فأعرف أنني لم أفقد شيئًا ثمينًا، بل ربحتُ كثيرًا، وأَخذتُ فوق ما كنتُ أحلم به.
“احْجِلْ .. احجل يا محمود، وانسْ أنّكَ، ذات يوم، كنتَ بطل جري مسافات طويلة، وقفز، وألعاب قوى!”
نعم، ها أنا أَحجلُ، بخطواتٍ بطيئة، على نفس الأرض، نفس المربع الذي سَقطتُ فيه، نفس المساحة التي كنتُ أجري فوقها، كحصان.
كنتُ وسط الشباب الذين يحرسون المتحف المصرى، كنتُ واقفًا على قدميْن من فولاذ، بيدي عصا خشبية فحسب، وبعينيّ يقظة وتربص نمر. نزلتُ من البيت مسرعًا لحراسة المتحف، ولأسباب أخرى، رأيتهم في التليفزيون يتهجمون على المتحف، ويريدون نهبه وسرقته. أنا طالب في كلية الآثار، بالفرقة النهائية، قسم مصري، أعشق منذ طفولتي آثار مصر القديمة، ولن يأخذها مني أحد، لن يسرقها أو ينهبها اللصوص ما دمتُ حيًا، جئتُ أحميها، وأدافع عنها فاصطادوني مثلما يصطادون عصفورًا.
أصابتني ثلاث رصاصات، واحدة في الركبة اليمنى، والثانية في القدم اليسرى، والرصاصة الثالثة في الحوض، وحصل أنني لم أمتْ مثل كثيرين غيري كانوا معي ها هنا، إلى جواري وحولي، غيري كان حظه أسوأ كثيرًا، أصابتْ الطلقات النارية صدره، قلبه، ورأسه، أو عينه، لم أفقد بصري كأبطال أشجع مني وأجرأ، لم أفقد عينًا أو الاثنتين معًا، كأحمد حرارة مثلاً، كمئات الشباب.
لستُ بساخط أو غاضب على ما جرى ليّ، لكنني أتعجب، وأضرب كفًا بكف، لأنني لم أُقتَل، لم أستشهد مثل مئات الشهداء، الذين خضبوا أرض هذا الميدان بالدم.
“عمر الشقي بَقِي”.
هُم أبطال، وأنا صرتُ معوقًا!
أصبحتُ جسدًا ضعيفًا يسير على عكازين، عظام ركبتي تفتت، وذهب زمن الجرى، ذهبتْ فتوتي وقوتي، صرتُ كسيحًا، وضعيفًا، لكنني لم أنته بعد، ولن أنتهي أبدًا، لن أترك هذا الميدان سوى بدخولي القبر.
ما رأيكََ بكوب من الشاي الساخن والنعناع؟
ابتسمْ يا صديقي، ابتسمْ، فأنتَ في ميدان التحرير!