A Short Story About An Angel (Arabic Text)
by Hamdy El-Gazzar / June 2, 2014 / No comments
عنوان العمود : مِن مصر
الكاتب: حمدي الجزَّار
أديب مصري، درَسَ الفلسفة، من أعماله الروائية: “سحْر أسْود”، و”لذَّاتٌ سِرّية”، و”كتاب السُطورُ الأَرْبَعة”، و”مَلحمة ثَورتنا”، تُرْجِمتْ أعماله إلى الإنجليزية والتركية والفرنسية والتشيكية، حاز جائزة مؤسسة ساويرس للأدب المصري 2006، واختيِّرَ في مشروع بيروت 39 ، أفضل الكُتَّاب العرب دون الأربعين.
موضوع الكتابة :
في هذه المساحة يُعنىَ الكاتب بشئون الثقافة والأدب المصري والعربي، وقضايا حرية الإبداع والفكر والتعبير في الوطن العربي، ويكتب بلا حدود، وبالأسلوب والنوع الأدبي الذي يراه، ومتحررًا من كل قيد.
حكاية صغيرة عن ملاك
ذات ليلة مقمرة من شهر رجب، ليلة الرابع عشر منه، حل بسماء القاهرة ملاك صغير، يبدو إنه ضل الطريق. ربما كان في طريقه لعبور البحر الأبيض للشمال حيث أوربا العجوز واتحادها الأوربي، أو كان طائرًا في اتجاه الشرق في طريقه لشبه الجزيرة العربية والخليج العربي، لكنه على أية حال هبط في وسط القاهرة، ولأنه ملاك بريء ضال، من السموات العلى، لم يكن بقدرة أحد أن يعرف حقيقته، كان يرى الجميع ويسمعهم، وهو يظهر لهم في هيئة طائر أبيض، يحط بحرية أينما شاء.
الملاك الصغير هبط على حديد كوبري قصر النيل فسكن لدقائق يتأمل النيل والبدر في السماء. كان كل ما حوله هادئًا وطبيعيًا، السيارات، والأتوبيسات، والباصات، تعبر للضفة الأخرى حاملة شعب الكنانة، وحوله بعض أزواج العشاق يقفون متجاورين، يتحدثون بالعيون والألسنة والإشارت، ويتبادلون بعض اللمسات المسروقة والقبلات الخاطفة، مظهرهم جميل ولطيف، انفتح قلب الملاك وقال في نفسه: “هذه مدينة تعرف الحب”.
بعد وقتٍ طار في اتجاه ميدان التحرير مبتسمًا، خفيف القلب. على حافة الميدان، وبجوار مطعم أمريكي شهير، حط الملاك عند فرشة جرائد وكتب، يجلس خلفها عجوز مثير. كان العجوز يثرثر مع زبائنه، يسخر من كل شيء، من بضاعته ومن الزبائن، ومما يحدث بالبلاد. الملاك أجال نظره في عناوين الصحف الكبرى وقرأها ولم يفهم كثيرًا، فهم فقط أن البلاد في طريقها لانتخاب رئيس جديد من مرشحيْن اثنين، وأن النتيجة تبدو محسومة.
لمّا تعالت قهقهات العجوز، بائع الصحف، بلا مناسبة، ابتسم الملاك وقال في نفسه: “هذه مدينة تعرف السخرية والضحك، مدينة خفيفة الدم”.
أجال الملاك بصره في الميدان الشهير فرآه يشبه رجلاً حزينًا، عجوزًا فقد الأبناء والأحفاد، ولم يعد بقدرته سوى التزام الصمت والسكون. ولأن قلب الملاك أبيض، ونقى، وطاهر، فقد رق لحال الميدان، وقال في نفسه: ” الذي لا يعرف الحزن ليس بإنسان”.
طار الملاك وحط في حديقة الصينية وسط الميدان، بالقرب من حلقة واسعة من الشباب والفتيات، وراح ينصت لكلماتهم:
نحن الذين فتحنا باب الجحيم.
لم يكن بإمكاننا قبول الفاشية الدينية.
افرح إذن بالفاشية العسكرية.
لله في خلقه شئون، يسلط الظالم على الظالم.
يجب بناء دولة ديمقراطية حديثة.
الثورة مستمرة.
نحن شعب ناكر للجميل، هذا الرجل بطل الشعب، وحررنا من التكفيريين والإرهابيين.
الفقراء أولاً.
لا نريدها عسكرية ولا دينية.
في السجون آلاف من المعتقلين.
على شاشات الفضائيات وفي الصالونات الفاخرة نخب فاسدة تدعم الفاشية.
سأظل أقول عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية، حتى أموت.
سمع الملاك عبارات كثيرة، واشتد الضجيج، والعراك اللفظي.
تأمل الملاك وجوه الشباب والفتيات فأشفق عليهم إشفاق جدٍ على أحفاده. في النهاية
أدرك الملاك أن كل واحد من هؤلاء يعتقد إنه يمتلك الحقيقة، وإنه وحده يعرف الصالح من الطالح، وإنهم حائرون ومحبطون..
تبسم الملاك لهم كعجوز حكيم وتركهم، وطار في السماء وهو يقول في نفسه:
“إن الحياة الإنسانية غريبة وفريدة ولست أفهمها، لكن ثمة شيء جميل ها هنا،
ثمة ولادة ستتم هنا، هذه البلاد جميلة وناسها طيبون وربما يعبرون..سيعبرون.”